من لا يحمل هم الوطن... فهو عبئئ على هذا الوطن
الاثنين، 2 نوفمبر 2015

"من يحبك يقبلك دون هدية"


مقال: جنان أبو زيتون


"تهادوا تحابوا" من أجمل ما قال رسولنا الكريم. فالهدية  من سماتها أنها تدخل السرور على القلب، وتطفئ لظى البعد، وتقرب النفس للنفس، وتعين الملهوف وتحفظ ماء وجهه، وهي موجودة منذ قديم الزمان، تناقلت جيلا بعد جيل. فجدتي وجدتك نقلتا لبعضهن الأرز والسكر، لكن هل الهدية في ما مضى كان معناها كما هي في عصرا هذا؟ أم أصبحت ذات منحى جديد ومعنى مختلف؟ فجداتنا حاولت التخفيف من هذه العادة، عادة بعث الهدايا في كل مناسبة وزيارة، لكنها استمرت وظلت حتى الآن، وحتى تضخمت زيادة على ما هي عليه .الهدية على اختلاف مسمياتها، فمنها ما يهدى للعروسين وتسمى النقوط ، ومنها ما يقدم للمولود وتسمى المباركة، ومنها ما يهدى للخريج،  ومنها لطالب التوجيهي، ومنها لمن خرج من المشفى، وللترقية، ولأعياد الميلاد، وغيرها...، فهل أصبحت حقاً عبئاً ثقيلاً على كاهل المجتمع؟و للهدية في عالمنا العربي اهتمام مبالغ فيه فاق حد المطلوب حتى أصبحت سبباً للإنهاك والإفلاس المادي، فدخل الفرد في عالمنا العربي لا يتناسب مع مصروفه الشهري، حيث تعتبر مصاريفه اليومية أضعاف دخله. وتأتيك المناسبات لتحظى بجانب شبه أساسي من الراتب الشهري ولم يحسب لها حساب أصلاً فتشكل عبئاً ودَيناً لا يقوى الفرد على سداده، فيقع في دوامة الواجب والواقع. كما أن الهدايا أخذت طابعاً شكلياً مبالغاً فيه، لما تم إضافته من إكسسوارات، وزينة، وفي طريقة تغليفها، كباقات الورد وأطقم الكاسات والصحون  والمشروبات الغازية وأكياس السكر، فمثل تلك الهدايا شكلت سلعاً يحظى بائعوها بحظ وافر كبير، زاد  ثمنها وارتفع ، خاصة في فصل الصيف، حيث تكثر المناسبات فيه، وترى أن كل شخص يسعى للتشبه بغيره من الناس في تقديم الهدايا، حتى أن الهدية أصبحت وسيلة للتباهي والتفاخر بين الناس، ومرض شائع أنهك المجتمع بأكمله، فالكل يريد أن يظهر للناس أنه أحضر هدية في سعر مميز وشكل رائع.فالهدية بمعناها المتعارف عليه على أنها وسيلة تقرب وتحبب، لكننا نلاحظ أنه في أيامنا هذه وعالمنا المادي المبالغ باستهلاك الماديات، أصبحت وسيلة للتباعد و الانطواء الاجتماعي وسبباً في الفرقة والبعد، والسبب أنه ليس بوسع الكل إحضار هدية لكل مناسبة، فأحيانا يكون في البيت الواحد أكثر من مناسبة في الأسبوع الواحد، وهذا يستوجب أكثر من هدية أو نوع هدايا تتناسب والحدث، والأشخاص الذي ستقدم لهم الهدية. وكثير من الناس تعاني من الوضع الاقتصادي الصعب وتكاد لا تجد ما تسد به رمق عيالها ولا تقوى على أساسيات الحياة، فكيف بها وهي تتابع أخبار المناسبات! فلا شك أن ذلك سيزيد طينتها بِله .
وعلى صعيد آخر فأن هناك من الناس من لا يلتمس عذرا فترى الأخت إن لم تحصل على العيدية غضبت وأشاحت بوجهها غير ناظرة لما يعانيه أخوها أو أبوها من ضيق ومرارة، ومنهم من قطع أرحامه وقطع زيارته وعلاقاته الاجتماعية بسبب عدم القدرة على توفير ما يقدمه.دوامة دخل فيها المجتمع لها أول، ليس لها آخر وخلل أصاب ثقافة المجتمع في خاصرتها فأرداها ميتة.
وللدين وجهة نظر في هذه المسألة حيث بينت النصوص الإسلامية أن :"الهدية للمولود لا بأس بها ،لأن الأصل في الهدية وفي جميع المعاملات الحل والصحة إلا ما قام الدليل على تحريمه، فإذا ما جرت العادة بين الناس إذا ما ولد لهم الولد أهدى إليه أقاربه شيئاً من المال، فلا بأس أن يفعل ذلك تبعاً للعادة والعرف لا تعبداً لله عز وجل، لأنه لا يعلم شيئاً من السنة في استحباب ذلك، لكنها عادة معروفة عند الناس. إلا أن هذه العادة إذا تضمنت ضرراً على أحد، فإن الضرر لا ينبغي سلوكه فلو كانت تلك الهدايا تثقل كاهل الزوج فإن ذلك ينهى عنه لما فيه من أذية الزوج وإحراجه، أما ما جرت به العادة من التهادي بالشيء اليسير الذي يوجد المودة والمحبة فلا بأس به". وعلى ذلك قس جميع أنواع وأشكال الهدايا وفي شتى المناسبات.هل نستغني عن الهدايا؟؟!!سؤال لابد من أن نواجه به أنفسنا، هل نستطيع الاستغناء عن مشاركة من حولنا لمسراتنا عن طريق الهدية؟ وهل يمكن أن نهنئ أحدهم  بفرحه من خلال عدم إهدائه في كل مناسبة؟ بالتأكيد أنت تريد هذا، ولكن كيف لك أن تقنع من حولك بمثل تلك الفكرة؟ فأنت تتمنى ذلك للتخلص من وطأة الهدايا على الأقل.
فالكثير من الناس تقول لك أنا  لا أقدم الهدية إلا في حدود الأقارب  والأصدقاء والزملاء، فأحياناً الهدية تشعرك بالإحراج لا الفرح ، وأحياناً أخرى، تصبح مملة، وخاصة عند وجود المناسبات في فترات قريبة ومتواصلة،فهي تشعرنا بإلزامية الهدية وضرورة إهدائها .وآخرون يسعون لتقليص العلاقات. فالموظف يصرف راتبه على هدايا زملائه وغيرهم، عند رجوعهم من الحج ومن السفر ونجاح ابنهم وزواج صديق لهم.وفي الوقت الحالي يسعون الناس لتطبيق مقولة "من يحبك يقبلك دون هدية" ، فالهدية زادت عن حدها اللازم وأثقلت كاهل المجتمع ،ولا تتناسب مع الوضع المرير للناس، فلو قبلوا بالمقولة، كان لذلك تأثير قوياً جميلاً مريحاً.

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي

تابعنا على فيس بوك

تابعنا على تويتر